أراء و مقالات

تجمع مسلمي فرنسا نشأة مشبوهة وسقوط مدوي

الحلقة الثانية

حيثيات نشأة المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية

المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية الذي خرج للعلن سنة 2003 هو التمثيلية الرسمية والوحيدة التي حظيت باهتمام خاص من طرف السلطات الفرنسية حيث ساهمت وزارة الداخلية الفرنسية؛ الوزارة الوصية على ملف الأديان من خلال مكتبها الخاص في هذا الشأن في تنظيم صفوف المسلمين بمشاركة منظمات ومساجد كبرى إضافة إلى شخصيات في تشكيل هذا المجلس الذي جاء كتتويج لمحاولات حثيثة  سالفة في إنشاء محاور رسمي من المسلمين للجمهورية الفرنسية العلمانية.

كانت هناك رغبة جامحة من طرف السلطات الفرنسية لتتويج مسار استمر قرابة عقدين الزمن من أجل الخروج باعتراف سياسي بالإسلام الفرنسي، ومن أجل ذلك بدأت عملية الاستشارة من أجل إيجاد إطار جامع كانت فيه دائرة المشاركة واسعة في أول انتخابات لهذا البناء التمثيلي الجديد

بدأت علمية الاستشارة سنة 1999 لقطع الصلة بسياسة الماضي في اختيار مسجد باريس محاورا رسميا ووحيدا من طرف السلطات، هذه المرة المسلمون هم من سيقومون باختيار ممثليهم ورغم ذلك كان هناك نوع من التردد من الكثير من مسؤولي المساجد في دخول عملية الاستشارة، ويعزى تريثهم لعدم رغبتهم في تكرار المحاولات السابقة التي باءت بالفشل والتي انتهت بقرار سيادي ذي طابع استعماري حيث وتقرر الإدارة العامة ويسمع ويطيع المعنيون بالأمر أي المسلمون، وهذا هو بالضبط مفهوم ” بركة الإدارة ” عند بعض الانتروبولوجيين والذي يحاكي  مفهوم النخبة في السياسة الأصلية لفرنسا في الجزائر أي أن فرنسا هي من تختار من يمثل مسلمي فرنسا ليكون محاورها.

تعطل مسار الاستشارة بعض الشيء سنة 2002 بسبب الانتخابات الرئاسية التشريعية الفرنسية، وأعْلِمَ بغلق ملف الاستشارة واستمر الامر مدة ما يزيد عن ستة أشهر لكن سرعان ما تغير وزير الداخلية بعد أغلبية جديدة لتستمر الاستشارة وتُسَرَّع وثيرة خطواتها، وهذه المرة بدخول عمل القنصليات لبعض الدول العربية و الإسلامية لدفع مواطنيها للانخراط أكثر في إنجاح وإنشاء ما سيصبح يسمى بالمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية.

 ساهمت الأغلبية الساحقة من مسؤولي المساجد بفرنسا في الانخراط في النسخة الثانية من الاستشارة أي في  حقبة وزير الداخلية ساركوزي وتكلل هذا الانخراط الفعال في إيجاد الاسم للاطار  الممثل للمسلمين بفرنسا، أي : المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية وكذلك تحرير قانونه الأساسي وكذا قوانين المجالس الجهوية.

في إطار المساهمة في عملية الاستشارة اعتمدت الفدرالية العامة لمسلمي فرنسا كعضو مدعو للمساهمة في الاستشارة والقريبة من المملكة المغربية على بعض الأطر الجمعوية القليلة في تمثيلها في تحرير القانون ولجنة التقاضي على الصعيد الوطني أما على الصعيد المحلي أو الجهوي فإن القنصليات المغربية هي التي تكلفت في تنصيب ممثلي الفدرالية العامة لمسلمي فرنسا في اللجان الجهوية لإحصاء المساجد والنقباء وكذلك ترتيب وتنظيم الانتخابات الجهوية.

غياب كلي لأعضاء حركة التوحيد والإصلاح في بناء المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية 

والملاحظ أن جل الذين ساهموا في اللجان الجهوية لم تكن لهم صلة تذكر بجماعة التوحيد والإصلاح التي كانت تنشط تحت جمعية فرنسية في الضاحية الجنوبية لباريس، ولهذا فأولائك الذين ضحوا من مالهم ووقتهم في إطار الفدرالية العامة لمسلمي فرنسا هم مغاربة جمعتهم مصلحة الوطن من الذين كانوا يسعون لتنظيم البيت الداخلي للفدرالية العامة خاصة وأنها كانت تعيش هشاشة في تركيبتها إذا أنها كانت تحت سطوة مطلقة لمحمد البشاري والعربي مرشيش.

وعلى رغم ضعفها وعند فحص نتائج أول انتخابات المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية تبين تفوق الفدرالية العامة على منافسيها، وهذا النصر لا يد تذكر للباجدة فيه،  بل الفضل فيه يعود لعامة المغاربة على اختلاف مشاربهم وللقناصلة المغاربة الذين انخرطوا في عملية إنجاح الانتخابات واعتبروها من المصالح العليا للوطن الأم : المغرب.

معارضة داخل هيئات الفدرالية العامة لمسلمي فرنسا

في منتصف سنة 2003 ضغطت السفارة المغربية بشكل قوي من أجل إعادة هيكلة الفدرالية العامة لمسلمي فرنسا وأسفر هذا الضغط الذي تعقبته اجتماعات بالسفارة المغربية بباريس على توسيع مجلس إدارة الفدرالية وهنا انضاف إلى هذه الهيئة كأعضاء جدد كل من عبدالرحيم البركاوي و محمد موسوي وعبداللطيف لمسيباك وأمين نجدي وتوفيق السبتي ليشكلوا مع محمد العلوي البرنوصي والحسن العلوي نواة معارضة قوية داخل مجلس الإدارة، وانخرط معهم في هذا الاتجاه العربي مرشيش، الذي لعب دورا مفصليا في التحذير من عواقب الانفراد بالقرار وأعلم سلطات المغرب بذلك، كل هذا تزامن مع الاستعدادات للولاية الثانية من انتخابات المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية.

كان رأس المعارضة والقوة الضاربة فيها يتمثل في عبدالرحيم البركاوي الذي كان يرأس المجلس الجهوي للديانة الإسلامية لجهة من الجنوب الفرنسي والذي أصبح يهدد محمد البشاري بأتباعه داخل مجلس الإدارة وفي المكتب التنفيذي لها، هذه المعارضة كادت أن تنفجر للعوام وتصبح حربا معلنة لولا تدخل السلطات المغربية  التي أكدت مشروعية معارضة عبدالرحيم البركاوي  مما جعله ينال ثقتها في تنظيم الحملة الانتخابية للولاية الثانية في 2005.

من أجل تحقيق ذلك، أرسل على وجه السرعة وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد توفيق  أمين سره وأحد طلابه، محمد أمين الشعيبي  من أجل الوقوف على عملية الاستعداد لانتخابات 2005 ومحاولة رأب الصدع وجمع شتات المغاربة وكلمتهم حول الفدرالية العامة لمسلمي فرنسا.

وفي هذا الصدد عين مجلس إدارة الفدرالية عبدالرحيم البركاوي ناطقا رسميا للفدرالية ومنسقا وطنيا لتنظيم انتخابات المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية حيث تشكلت لجنة ضمت قرابة خمسة أفراد وهم عبدالرحيم البركاوي وعبدالله بوصوف ومحمد أمين الشعيبي وتوفيق السبتي وعبداللطيف لمسيباك.

هذه اللجنة هي التي قامت بجولة وطنية في ربوع فرنسا لتحفيز المغاربة على الانخراط في انتخابات المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية وكذا الاستعداد لهيكلة حقيقية للفدرالية العامة لمسلمي فرنسا الذي أصبح رئيسها في مهب الريح خاصة مع كثرة أسفاره للخارج.

عمل اللجنة طيلة 2004 إلى ما بعد انتخابات 2005 وتكوين تجمع مسلمي فرنسا كبديل للفدرالية العامة لمسلمي فرنسا سيكون فحوى الحلقة المقبلة من هذه السلسة إن شاء الله

عبدالله أبو صوف الكبش

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى