سياسة

قيس سعيد وجلد الذات التونسية

 

منذ توليه سلطة بلاده والرئيس التونسي يتعالى على شعبه في تبجح مقيت معرفته الدستور التونسي الذي طالما خرقه مرارا، ولكي يستفرد بتونس في سياستها الداخلية والخارجية، فلقد أقال الحكومة المتعثرة وجمد البرلمان ومعه صلاحيته الدستورية ليستفرد  بحكم مطلق  يخلو له من خلاله الجو ويدخل بذلك في صراعات ورط فيها تونس التي تعيش أزمة سياسية واقتصادية منقطعة النظير.

يرى الكثير من المراقبين أن قيس سعيد مجرد دكتاتور انحرف بتونس نحو الهاوية وأبعدها عن مسار الديموقراطية الذي ضحى من أجله التونسيون عندما أوقذوا شرارة ثورات الربيع العربي وأثبتوا للعالم حبهم للحرية والعدالة الاجتماعية، ولقد استبشرت بثورتهم شعوب العالم العربي ومنها الشعب المغربي الذي رأى في إزاحة الرئيس الراحل بنعلي بداية عهد جديد للديموقراطية وبناء مغرب عربي جديد.

باستضافته زعيم جبهة البوليساريو واستقباله بصفة رسمية يكون قيس سعيد قد اصطف في معسكر أعداء المغرب ووحدته الترابية، وشكل بذلك سابقة خطيرة أخرجته من سياسة نفاق الماضي ومستجيبا بذلك لخطاب المغرب الداعي لتوضيح المواقف عوض المكوث في المنطقة الرمادية ممسكا العصا من وسطها تحت غطاء الشرعية الدولية وسياسة الحياد، وهكذا أجاب قيس سعيد بوضوح أنه يرى ملف الصحراء بنظارة جزائرية على اعتبار أنها الدولة الحاضنة لعصابات البوليساريو  وهو يعلم  “إن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات”

خطوة قيس سعيد ومن وراءه تونس بخطوته الأخيرة التي سيكون لها تبعات حتما من طرف النظام المغرب، لن يزيد الشعب المغربي إلا إصرارا وتضحية في الحفاظ على أراضيه والدود عنها وعدم تَوْنَسَة المغرب حتى وإن كلفه الامر الصبر عليها خمسين سنة إضافية.

وللعلم فلم تكن تونس محايدة قط في قضية الصحراء المغربية  فالعقل التونسي العميق  لطالما يرى دويلته بحجم المغرب المبتور  من صحرائه  لا يضره خلق كيان من 260 ألف كلم مربع  ينفل على بلاد تونس بزهاء 100 ألف كلم مربع، ولن يجد المواطن المغربي أي حرج في عدم اعتراف تونس بمغربية الصحراء حتى وإن تعللت تونس قيس سعيد وراء مسمى الشرعية الدولية لتسقط في التبعية لتصبح بذلك الولاية 59 للجزائر، بل الحرج الذي يشعر به المواطن المغربي يأتي من كون القائمين على ملف الصحراء من الرسميين المغاربة  ينغلب عليهم طابع الانتهازية والاسترزاق من قضية الصحراء لأنها تدر عليهم الكثير من الأموال.

إذا كان النظام المغربي الرسمي يرى “ أن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات” فيما يخص الدول  الصديقة والدول والشقيقة، فنفس النظارة وجب أن تكون معيار العاملين على ملف الصحراء في الداخل،  ثم النظر بعين بصيرة حول نجاعة الأجهزة الأمنية في ذلك من عدمها  وكذا وزارة الخارجية المغربية ومنظمات الدولة المغربية التي تعتني بالجالية المغربية المقيمة بالخارج  ومنها مؤسسة الحسن الثاني ومجلس الجالية المغربية بالخارج على اعتبار أن مغاربة المهجر هم في مقدمة العاملين في الدبلوماسية الموزاية وبحكم احتكاكهم مع نظرائهم المغاربيين وغيرهم.

أي اقتصاد للكيان الوهمي حتى يحضر قمة اقتصادية استثمارية تجمع الدول الإفريقية باليابان؟

تقدر الحكومة الجزائرية عدد اللاجئين الصحراويين من المغاربة الذي لا يريدون حكم المخزن بحوالي 165 ألفا وهذا الرقم مبالغ فيه لأن التقديرات الحقيقية ترجح عددهم بأقل من هذا بكثير بما فيما ذلك أرقام المنظمات الإنسانية التي تقوم بتقديم المساعدات للاجئين الصحراويين.  فأي اقتصاد لكيان يوجد على أرض أجنبية يعيش في الخيم وعلى المساعدات الإنسانية؟

مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية في افريقيا الذي انعقد في تونس كان فقط مناسبة لقيس سعيد أن يقوم شخصيا بفعله الشنيع مظهرا بذلك تبعيته للجار الغربي الراشي ومؤكدا خطوة الرئيس التونسي المسرحي في خرجاته الإعلامية حيث شكل موقفه السلبي في عدم التصويت على قرار مجلس الامن للتمديد لبعثة الأمم المتحدة مينورسو في أكتوبر الماضي خيبة الامل الأخيرة لدى الشعب المغربي. هذا الخيبة كانت متوقعة، ورب ضارة نافعة، فهي تحمل وضوح السياسة التونسية الجديدة التي دخلت جوقة المناوئين والمارقين.  لن يمر على قيس سعيد موقفه مر الكرام، فهو منذ مدة قد بدأ يكتب نهايته المأساوية كما فعل سَلَفُهُ بنعلي من ذي قبل.

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى